حتى لا يفوتكم قطار التطبيع مع اسرائيل ـ عودة الى تسجيل صوتي للزعيم جمال عبدالناصر منذ خمسون عاماً .. لماذا؟ - Younes Hazzaa

Breaking

الخميس، 1 مايو 2025

حتى لا يفوتكم قطار التطبيع مع اسرائيل ـ عودة الى تسجيل صوتي للزعيم جمال عبدالناصر منذ خمسون عاماً .. لماذا؟

 



التسجيلات التي تم استعادتها من أرشيف أو مكتبة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر رمز القومية العربية والمقاومة  .. بالذات التسجيل الصوتي لحديثه مع الزعيم الليبي الراحل ايضاً معمر القذافي مطلع السبعينات وتحديداً أغسطس عام 1970 تتضمن استعداد عبدالناصر للحل السلمي مع اسرائيل في وقت كان يتصاعد فيه الصراع العربي الاسرائيلي وفي حديثه انتقد عبدالناصر الدول التي كانت تدعو للحشد العسكري مؤكداً على ضرورة الواقعية في التعامل مع القضايا العربية .. وبعيداً عن ما قد يثيره هذا التسجيل من تساؤلات حول الرؤية الاستراتيجية للزعيم جمال عبدالناصر ازاء قضية حساسة بحجم العلاقة مع اسرائيل .. فانها تكشف عن المرونة والواقعية وأن عبدالناصر بعد 67 غير عبد الناصر قبل 67 ..

هذا التسجيل الذي نشرته قناة على منصة اليوتيوب اسمها ناصر تي في. أثار جدلاً واسعاً في الاوساط السياسية .

والسبب هو التوقيت الذي يحمل الكثير من الدلالات السياسية الهامه خاصةً مع تشابه الظروف الراهنة الى حد كبير  فيما يتعلق بتعامل الحركات الاسلامية مع الموقف المصري من أحداث غزة الذي كان ولا يزال الهدف منه ذلك توريط مصر وجيشها في حرب استنزاف مع اسرائيل لا مبرر مصري  لها ولا مصلحة مصرية منها ولكن لتحقيق مصالح حزبية لاضعاف الجيش والقيادة المصرية ومن ثم الانقضاض على السلطة ، فنجد أن  الحركات الاسلامية تتحدث عن فتح حدود ، تتتحدث عن محاربة اسرائيل وأمامها حدود مفتوحه لكنهم لم يزحفوا الى اسرائيل ويزايدوا على الموقف المصري .

 وقد يرى البعض أن استحضار تصريحات عمرها أكثر من خمسة عقود ، واعادة نشرها أو تسليط الضوء عليها مجدداً..على أنها ادانة للزعيم جمال عبدالناصر أو  شرعنة للتطبيع مع اسرائيل لكن ذلك غير صحيح .

ذلك أنه من المعروف انه لكل مقام مقال ، ولا يصح استحضار مواقف مُعينة لزعيم مُعين لادانته حالياً بناءً على قرارات فرضتها ظروف الفترة السابقة  أو لتبرير سلوك حالي نريد أن نتبعه بناءً على مواقف ذلك الزعيم سواءً بقصد التوظيف أو الاحراج لقواعد وجماهير ومناصري ذلك الزعيم ..

 جمال عبدالناصر كان زعيماً قومياً ولكنه قبل كل شيء كان رئيساً لجمهورية مصر العربية وبالتالي فان أولوياته كرئيس للشعب المصري محكوم بالمصلحة الوطنية العليا لمصر والتي تتصدر كل الاولويات .جمال عبدالناصر كان من الذكاء بحيث يستطيع التفريق بين المواقف ومصالح شعبه أو قضايا ما يسمى بالامة العربية والاسلامية ..وبالتالي فهو يعلم ويدرك تماماً أن قرارات الحرب وقرارات السلام تتطلب شجاعة وتنطلق من تقييم للقدرات والامكانيات ولا تحتمل المزايدات السياسية ، وعندما حاولت بعض القيادات العربية مثل القيادة الليبية والسورية أو العراقية أو اليمنية الجنوبية في وقت ما  المزايدة على مصر من قضية الصراع العربي الاسرائيلي  كان طبيعياً أن يرد عليهم بالخطاب المناسب  والشكل المناسب وفي الوقت المناسب .. فقال لهم بما معناه اذا كان  لديكم القدرة والامكانية لمحاربة اسرائيل ما الذي يمنعكم ؟ .. السلام هو أولوية بما في ذلك السلام مع اسرائيل ، وخطاباته في فترات الحرب تختلف عن خطاباته في أوضاع السلام .. اذن هو كان يتحدث الى الجماهير ليصنع التلاحم والالتفاف حول قيادته ولتعزيز وحدة الجبهة الداخلية ، وكان يتحدث الى العرب والمسلمين ليؤكد الدور القيادي لمصر قائدة النظام العربي في ذلك الوقت ، وعلى مستوى العالم العربي والاسلامي .. كما انه يتحدث الى العالم كأحد مؤسسي حركة عدم الانحياز ايضاً يؤكد موقفه في صناعة السلام العالمي ، والسلام في الشرق الأوسط جزء من السلام في العالم  .. اذن استدعاء تلك التصريحات الارشيفية لتزييف الذاكرة القومية لا يشكل ادانة للزعيم جمال عبدالناصر  بقدر ما يكشف عن حالة الحقد لدى البعض على هذا الزعيم ، وحالة الغباء السياسي عند البعض الآخر .. لكن هذا يدل أيضاً على أن الزعيم جمال عبدالناصر لا يزال حاضراً في الفكر والواقع العربي كرمز للقومية والمقاومة رغم مضي عقود على وفاته ..

لكل هؤلاء سواء الحاقدين أو الاغبياء سياسياً نقول أنتم لستم بحاجه الى توظيف أرشيف خطابات الزعيم جمال عبدالناصر لتبرير مواقفكم في التطبيع والسلام .. فواقعكم اليوم يختلف عن واقع الفترة التي كان يقودها الزعيم جمال عبدالناصر .. ربما أن التوجه نحو الشراكة والسلام مع اسرائيل يعتبر اتجاه اجباري تبرره المصالح ، وموازين القوى والتحالفات التي قد تجعل من اسرائيل حليفاً أقوى من بعض الأشقاء العرب أو المسلمين ، والانخراط في الاتفاقيات الابراهيمية هو ايضاً سلوك حضاري يكشف عن التركيز على الارضية المشتركة لجميع شعوب الشرق الاوسط بما فيها اسرائيل وربما شعوب العالم .. التركيز على ما يجمعنا جميعاً بعيداً عن الصراعات الدينية والايديولوجية هو الطريق المختصر والمفيد ليعيش الجميع بسلام خاصةً بعد أن توصلت شعوب المنطقة وقياداتها ومفكريها ونخبها الفكرية الى أن عامل الصراع والتطرف الديني هو السبب في تخلف الكثير من شعوب ودول المنطقة ، وأن التمترس خلف الايديولوجيات والشعارات الفارغة هو الذي أوصل تلك الشعوب والدول الى حالة من الفقر والتدهور الاقتصادي في حين تتقدم الشعوب والدول التي غادرت مربعات التطرف والايديولوجيات وحققت حالة واضحة من الرفاهية والازدهار لشعوبها وتحتل دولة اسرائيل وشعبها مقدمة تلك الشعوب .. اذن مشكلتنا ليست مع اسرائيل ولكن مشكلتنا التي يجب ان نتجه اليها هو التنمية المستدامة لمجتمعاتنا وشعوبنا .

لقد كان توقيع الرئيس المصري محمد أنور السادات لاتفاقية كامب ديفيد للسلام مع اسرائيل قراراً شجاعاً وامتداداً للرؤية الواقعية للزعيم جمال عبدالناصر .. فكان السادات هو أكبر قائد ناصري استكمل مسيرة الزعيم جمال عبدالناصر .

هذا يؤكد مجدداً حقيقة تواصل التعامل الخاطيء بعيداً عن الواقعية مع واقع العلاقة مع اسرائيل على مدى خمسة عقود..

 ما قام به السادات في كامب ديفيد تسلسل منطقي وواقعي لانه كان قريباً من جمال عبدالناصر.. بل انه كان نائباً له وجزء من حسابات جمال عبدالناصر في استكمال المسيرة الواقعية فيما يتعلق بالتفاهم والموافقة على التسوية السياسية .

ما كان معروضا على مصر في 1970 او 1979 هو شيء كبير جداً مقارنة بما يحدث اليوم .. ما نراه اليوم هو انعكاس لارتدادات واخطاء سابقة .. وما سنراه غداً ربما يكون مختلف .

ظلت كل القوى الفلسطينية اليسارية بشكل خاص .. الرئيس عرفات الذي وقع مرة اخرى في أوسلو .. الكثير من القوى الفلسطينية  الراديكالية اجرت مراجعة لموقفها باستثناء الحركة الاسلامية التي ظلت تتاجر بالقضية الفلسطينية وتستخدمها لتحشيد الشارع ولجمع التبرعات والمزايدة السياسية في المعارك الانتخابية ..

مع كل ذلك تقتضي الواقعية ايضا الجاهزية للحرب عندما تفشل خيارات السلام ولكن تكون الحرب هي الخيار الاخير كشر لا بد منه .

مرةً أخرى نؤكد أن أهمية مضمون ذلك التسجيل التاريخي ليس فقط في كونه  شكل صدمة لأنصار التعامل الصنمي مع شخصية الزعيم جمال عبدالناصر التي تصل الى مستوى التقديس لكنه كشف عن صفات قيادية أكثر أهمية في شخصية الزعيم جمال عبدالناصر  ..

ربما أن الحديث عن السلام كان صدمة للاشياع والمتعصبين للناصرية ..

لكن دعونا نذكرهم ان جمال عبدالناصر قبل باتفاقية روجرز والسلام مع اسرائيل قبل هذا الخطاب المُسجل بشهر او شهرين .. الكثير من النقاط الفرعية في هذا الخطاب ليس مسألة السلام مع اسرائيل فحسب .. ولكن المواقف من بعض الدول العربية المتشدقين بمحاربة اسرائيل وخصّ بالذكر حينها النظام  الليبي ، النظام البعثي في العراق والنظام البعثي في سوريا والنظام في اليمن الجنوبي ، وكان الحديث المباشر للقذافي .

لقد كانت مصر مستعدة للتسوية السياسية أو للسلام مع اسرائيل منذ ذلك التاريخ  ..

  لم يكن  جمال عبدالناصر على طول الخط مع الحرب او مع شعار ما أخذ بالقوة لا يستعاد الا بالقوة .

ونكتشف اليوم وبعد خمسون عاما  سراً جديداً  وراء  كاريزما القيادة في شخصية الزعيم جمال عبدالناصر الا وهو  الواقعية والمضمون البراجماتي  وهي ميزة هامة جعلته ينطلق من تقييم القدرات الواقعية على الارض ، وللمزيد من التأكيد لنفهم أكثر لابد أن نُذكر .. والذكرى تنفع المؤمنين بما في ذلك المؤمنين بالزعيم جمال عبدالناصر  أن هزيمة 67 شكلت محطة  مراجعة وتقييم لأسبابها وعواملها وشكلت درساً للاستفادة منه في المستقبل  .. اذن جمال عبدالناصر قبل 67 غير عبدالناصر بعد 67 ..

والخلاصة من كل ما سبق لا خجل ولا خوف من الانخراط في عملية السلام والتطبيع مع اسرائيل على قاعدة التعايش والشراكة والمصالح المشتركة .. لا تنشغلوا بالماضي حتى لا يفوتكم قطار التطبيع ..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق